Sunday, September 7, 2008

الخيميائي 5 من 5




قبل أن يصبح كلينتون رئيساً للولايات المتحدة, طلب من أحد المعالجين بالتنويم تعليمه كيفية مخاطبة الجماهير, والتأثير فيهم, وهذا ما حدث فقد كانت الدعاية الانتخابية مؤثرة وجاذبة للجماهير, فالسر يكمن دائماً بالبدايات.
ونذكر خطبة مارك أنتوني في رثاء يوليوس قيصر, بعد أن سمح له بروتس بها لكن بروتس لم يكن يعلم أن مارك انتوني, سيغير التاريخ في أربع كلمات فقط, إذ قال:" أيها الرومان, يا أبناء وطني, أسمعوني, أعيروني آذانكم", وفي هذه اللحظة دخل الجمهور في غشوة تنويمية, فالبدء بكلمة عاطفية أو بصوت تنويمي, كفيل بتنويم الناس والتأثير عليهم, وفي الواقع من يقرأ مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير, لا بد وأن تشده هذه الخطبة الذكية ذات الإيحاءات والمجازات المبهرة, التي أقامت حرباً أهلية أستمرت لسنوات, بين أنصار أوكتافيوس ومارك أنتوني وبين أنصار بروتس, كانت نتيجتها أن أصبح مارك أنتوني شخصية هامة في التاريخ, ويذكره الناس أكثر مما يذكرون النبيل بروتس, أو قيصر الذي قال:" vini vidi vichi "أتيت, ورأيت, وغزوت".
وفي علم التنويم والعلاج به, يعتبر الكلام أو الإيحاء والمجاز والصوت من أهم العوامل التي يرتكز عليها العلاج الناجح, فإذا استخدمنا الحكاية في التربية ستشكل شخصية الطفل حتى يكبر مثلما حدث مع بوشكين الذي كان يستمع إلى حكايات مربيته, فشكلت شخصيته وكل أشعاره, ومعروف أن الشاعر الروسي العظيم بوشكين غير اللغة الروسية القديمة إلى اللغة الحالية, كل ذلك سببه تأثير الإيحاء والمجاز.
نعلم جميعاً أن كليلة ودمنة كتبت في العصر العباسي الأول, والحوارات فيها على لسان الحيوانات, مما يعطي المجاز قوة أكبر, وحتى في العلم الحديث يقال أن أفضل معلم يجيب على أسئلتنا في عقولنا الباطنة, هو الشخصية الكرتونية أو حيوان أليف.
الخيميائي أو Alchemist هي رواية عالمية للكاتب البرازيلي بولو كوللو نشرت بالانجليزية عام 1993 وهذه الرواية التي بيعت بشكل واسع, بنيت أساساً على المجاز, أو الحكمة, وهي حكاية صبي راعي أغنام حلم بكنز قرب الأهرامات المصرية, وذهب بحثاً عنه, وأثناء رحلته قابل رجال حكماء, تعلم منهم الكثير عبر الحكمة والمجاز, تعلم منهم مهارات أو أسرار الكون من خلال الحكايات, هذه الرواية الآسرة عبارة عن نص تنويمي, حول كيف يسير الإنسان إلى مصيره أو هدفه بالحياة, وحول أهمية الإصرار لتحقيق الهدف, برسم الهدف في العقل الواعي وجعل العقل الباطن أو قوى الكون تحققه, وكيف أن العيش بحد ذاته هو تحقيق للهدف, وذلك بالتعلم فنحن نعيش لنتعلم, ونتعلم كيف نعيش.
الرواية مليئة من أولها إلى آخرها بالمجازات والحكايات والحكم, ولكني سأذكر مثالين منها, الأول أن الصبي الراعي قابل حكيم لكي يعلمه سر الحياة, وكان الرجل الحكيم يعيش في قصر جميل مليئ بالتحف والسجاد الثمين, فطلب من الصبي أن يمسك بملعقة بها نقطتين من الزيت وقال له تجول في القصر وشاهد التحف وعد لي بعد ساعتين ولكن حاذر على الزيت كي لا يندلق من الملعقة, وعندما عاد بعد ساعتين سأله الحكيم: ماذا شاهدت, أجاب الصبي كان كل همي المحافظة على الزيت, فلم أر شيئاً, قال له الحكيم إذهب مرة أخرى وشاهد كل تحفة وعد ثانية, ذهب الصبي وعندما عاد شرح للحكيم ما شاهده, فقال له الحكيم ولكن أين الزيت؟ سر الحياة أن تشاهد كل روائع العالم دون أن تدلق الزيت أو تنساها.
المجاز الثاني, أن الصبي ذهب إلى عراف وطلب منه معرفة مستقبله, فقال له العراف: لماذا تريد معرفة المستقبل؟ فإن كان مستقبلك جيداً فلن تعمل اليوم, وإن كان سيئاً فستظل قلقاً وحزيناً منذ اليوم, فقط عش يوماً بيوم.
أعلم أن موضوع الإيحاء في الأدب يحتاج إلى بحث كبير, والكثير من الكتابة, لكن للعلم لا توجد أي كتابات عربية أو أجنبية تناولت موضوع العلاقة بين الأدب والتنويم.

No comments: