Sunday, September 14, 2008

رحلة التعلم




في إجازاتي أحاول دائماً التعلم, فالسفر فرصة مميزة للتعلم والاكتشاف, ولذا أختار إيطاليا كمحطة لأنها بلد تتسم بالثراء الثقافي وكما يقال أنها بلد غني فقير, وبلداننا فقيرة غنية, لذا تستقطب إيطاليا ملايين السائحين على مدار العام, والذين يأتون من جميع أنحاء الأرض للاستمتاع بمخزونها الثقافي, ولو زارها الإنسان عشرات المرات فلن يوفيها حقها, هذا إذا كان يبحث عن الثقافة والفن, وليس التسوق.
كان لدي خطة أعددتها مسبقاً وبعناية, بعد بحث في الإنترنت عن القرى والمدن والمعالم والمتاحف وصالات الفنون التشكيلية وعروض الأوبرا وغيرها, لكني وجدت نفسي أخرج عن الخطة التي رسمتها لرحلتي, وذلك لمزيد من الاكتشاف والتعلم.
وما ساعدني على التعلم أكثر بضعة أمور, منها أنني قررت استئجار سيارة للتنقل بين المدن بدلاً من القطار, مما أتاح لي المرور ورؤية عشرات القرى والمدن الصغيرة والكبيرة, إضافة إلى المناظر الطبيعية, من جبال ووديان وأنهار وبحيرات وحقول, والحديث مع أكبر عدد من الإيطاليين الودودين والكرماء, ومقارنة سلوك الأوربيين بسلوك المهاجرين كالعرب والأفارقة, الذين يعملون في أحط المهن بما فيها القوادة والدعارة, أو عمال رخيصين في الفنادق والمطاعم, و يختص الأفارقة بالأعمال غير الشرعية, كبيع بضاعة مسروقة أو مغشوشة, وليس علينا أن نتساءل لماذا يكرهنا الغرب, ما دمنا نمثل أدنى الفئات وأدنى سلوك, لا يحق لنا القول بأنها مؤامرة على العروبة والإسلام, فنحن المتآمرين على أنفسنا.
لكن عندما يتعرف الإيطالي عليك جيداً, ويسمع منطقك, واشتراكك معه في الأخوية البشرية, يبدأ باحترامك, وقد فوجئت في أحد الأيام بهدية جميلة من مدير الفندق, تعبيراً عن الصداقة والاحترام, لكن مثله مثل بقية شعوب العالم, لديه فكرة مسبقة عن العربي والمسلم, والتي نكرسها بكل فخر وكل يوم في بلدان العالم.
وما ساعدني أيضاً على زيادة فرص التعلم, هو أنني اخترت الطرق الريفية والجبلية الضيقة بدلاً من الطرق السريعة, وهذا أتاح لي رؤية التاريخ ومظاهره, ورؤية الطبيعة, واختيار المحطات التي أتوقف بها, وأتعرف على سكانها, والاقتراب من الناس والثقافة, وبالنسبة لي كان ذلك من أجمل فرص التعلم.
وما ساعدني أيضاً جهاز GPS أو Navigator أو جهاز الملاحة, هذه التقنية التي كنت أجهلها, لكني تعلمتها واستفدت منها كثيراً, ولأن الجهاز يعمل على الأقمار الصناعية, وهناك تحديث سنوي للخرائط, عمل الجهاز بدقة متناهية, واستطاع إيصالي إلى الأزقة الضيقة التي يصعب اكتشافها على الخرائط العادية, ودلني على مطاعم صغيرة منزوية في الجبال لاتوجد على الخرائط, وقرى نائية سياحية وغير سياحية.
لكن في جميع الأماكن السياحية والساحات, هناك دائماً دوريات شرطة لحماية السائحين من عمليات النشل وغيرها, وتوجد أيضاً سيارات اسعاف ومسعفين, وما لاحظته أيضاً أن المكتبات تفتح حتى الثانية عشرة منتصف الليل وهي مكتظة دائماً بالناس, بينما المطاعم تغلق في أغلب الأحيان قبل هذا الوقت.
كما أن جميع المنتجات هي إيطالية التي تحرص على استقطاب السائحين والاستثمارات, لتحقيق رخاء الشعب, عكس بلادنا الطاردة للاستثمار ورؤوس الأموال والسياحة.
وأخيراً لو كانت لجنة الظواهر السلبية في إيطاليا, لاعتقلت جميع الإيطاليين وجميع السائحين من الدول المختلفة, ولأعادت أوربا إلى عصور الظلام.

No comments: