Monday, December 15, 2008

إنقاذ العدو




بعد الهجوم الأمريكي على العراق عام 2003, نشر أحد الزملاء في الجمعية الأمريكية للمنومين, في نشرة hypnogram الشهرية والتي تصدر عن الجمعية, نشر موضوعا كان قد احتفظ به سراً, حتى تم اسقاط النظام العراقي, مفاده أن دبلوماسيين عراقيين قد قابلوه في الولايات المتحدة, وأخبروه أن أحد الأثرياء العراقيين يحتاج إلى مساعدته, وخبرته في العلاج بالتنويم, فوافق زميلنا على السفر إلى العراق بعد أن أخبر السلطات الأمريكية المختصة.
وعندما وصل إلى العراق عام 2001, اكتشف أن هذا الثري هو عدي صدام حسين, الذي كان قد أصيب في محاولة اغتيال, وكان يعاني من صعوبة في المشي, ولأن عدي كان يعرف أن هذه الصعوبة هي نفسية بالأساس وليست عضوية, بحث في الإنترنت عن أفضل المعالجين بالتنويم حتى اكتشف هذا الزميل.
وعالجه هذا الزميل الأمريكي, وعندما طلب منه أن يعود في العام 2003 وجد عدي يجري على جهاز صمم خصيصاً له, مما يعني أن العلاج بالتنويم قد أفاده, ولكنه لم يستطع اكمال العلاج لاندلاع الحرب على العراق, وظل محتفظاً بهذا السر, لا أحد يعلم به فيما عدا وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية, حتى تم اسقاط النظام العراقي.
وعند نشر هذا المقال, أثيرت معه العديد من المناقشات حول مشروعية اسعاف العدو ومعالجته, فالبعض قال أن عدي سفاح قتل العديد من الناس, واغتصب العديد من النساء, وأنه لم يكن من الواجب مساعدته, لكن الرأي استقر أخيراً على أن المساعدة لأي إنسان لا يجب أن تكون مشروطة, ودلل أصحاب هذا الرأي على مساعدة الجنود الألمان في الحرب العالمية, وكل الأمثلة التاريخية تؤيد هذا الرأي, حيث أن شرف المهنة يحتم على المعالج مساعدة الجميع, بغض النظر عن انتماءاته أو سلوكه, وعموماً حتى صدام حسين نفسه فحص طبياً وأخضع للعلاج عندما اعتقل (راجع كتابي علم وفن التنويم).
مناسبة هذا الموضوع, هو أنني قرأت في نشرة الحوار المتمدن الإلكترونية العدد 2379 بتاريخ 20 أغسطس 2008 مقالة نشرها كامل النجار, تحت عنوان قسم أبوقراط, يورد فيها خبراً عن أن نقابة الأطباء في مصر أصدرت قراراً بمنع نقل الأعضاء بين المسلمين والمسيحيين, مخالفين بذلك قسم ابوقراط الذي يقسم عليه الأطباء, والقسم الأساسي كالتالي:" أقسم بالإله الطبيب وآلهة الصحة والشفاء, وسائر الآلهة على أنه قدر استطاعتي وتقديري, سأتمسك بهذا القسم وهذا الميثاق, وأن أقصد قدر وسعي منفعة المرضى وأمتنع عما يضرهم أو يسئ إليهم, وألا أعطي دواء قتالاً ولا أشير به, ولا ما يسقط الأجنة, وأن أحفظ نفسي على النزاهة والطهر وأحافظ على السر الطبي", وبالطبع تحول القسم لاحقاً إلى القسم بالله العظيم.
الجدير بالذكر أن نقابة أطباء مصر, يسيطر عليها الأخوان المسلمين الذين يذكروننا ببعض الإسلاميين من أعضاء مجلس الأمة الذين يخالفون قسمهم كل يوم, ويذكروننا بجنوب أفريقيا أيام التمييز العنصري, الذي كان يمنع نقل الدم بين السود والبيض, بل يمنع نقل المصابين السود والبيض في سيارة اسعاف واحدة, وأيضاً يذكروننا برفض المستشفيات الإسرائيلية اسعاف بعض الفلسطينيين باعتبارهم مخربين, فما الفرق بين أخوان المسلمين في مصر وبين جنوب أفريقيا العنصرية واسرائيل؟
ليس لدي تعليق, فالموضوع يشرح نفسه, فكم ينتهك الإسلاميين مبادئ الدين باسم الدين؟ بل كم يتجردون من إنسانيتهم؟ وكم ينتهكون الديمقراطية باسم الديمقراطية؟


No comments: