الخلوج هي الناقة التي ضاع صغيرها, أو الحوار, وكما يقول أهل نجد:"خلوج ضيع ولدها السواريح", والمعروف أن الناقة عندما تفقد صغيرها, تنوح بعويل يشبه عويل الثكلى وبكاء يؤثر بالرعاة, وتظل تشعر بالفقد لفترة طويلة.
والخلوج أيضاً قصيدة مشهورة للشاعر محمد عبد الله العوني, وهي من عيون الشعر النبطي النجدي, حيث يقول العوني في مطلعها:
خلوج تجذ القلب باتلا عوالها تكسر بعبرات تحطم سلالها
تهيض مفجوع الضمير بحسها إلى طوحت حسه تزايد هجالها
وهي من القصائد التي أثرت في وجدان الناس وغيرت حتى من مصائرهم, وهناك العديد من القصائد المتميزة في التراث, مثل قصيدة الشاعر الكويتي حمود الناصر البدر, والتي قيلت أثناء توجه الشيخ مبارك الكبير لمعركة الصريف, والتي يقول فيها:
يا راكبين أكوار ست تبارا فج النحور فحاز ما بين الأزوار
قطم الفخوذ معلقمات الفقارا كوم على كيم من القفر ضمار
وأيضاً مثل قصيدة الشريف بركات وفيها ينصح ابنه, ويقول فيها:
يا ذيب إن جتك الغنم في مفاليك توخى لين الرعايا تعداك
من أول يا ذيب تفرس باياديك واليوم جا ذيب على الفرس عداك
والحر مثلك يستحي يصحب الديك وإن صاحبه عاعا معاعات الادياك
وهناك العديد من روائع الشعر في التراث, فيها الكثير من الحكم والعبر والدروس, ولست هنا بصدد استعراض القصائد العظيمة, والتي يعرفها كثير من الناس, ولكني عندما تذكرت قصيدة الخلوج, عدت إليها كي أستمتع بمعانيها.
ومحمد العوني ولد في بلدة الربيعية شرق القصيم عام 1275ه, وسجن في الإحساء عشر سنوات لكتابته هذه القصيدة, وخرج في سن السبعين ومات بعدها عام 1321ه, وقصة هذه القصيدة أنه بعد معركة الصريف, احتل ابن الرشيد بعض بلدات نجد, وخرج على أثرها آل السليم أمراء عنيزة وآل أبا الخيل أمراء بريدة إلى الكويت فراراً من ابن الرشيد وكان معهم العوني, وترك العديد من أهل نجد ديارهم بعدما كانوا ينعمون بالخير, فيقول العوني في قصيدته:
وإلى جيت سوق العصر تاتيك غلمة تخثع بزبنات البريسم نعالها
يقولون لك يا صاح عطنا علومك بلدان نجد عقبنا وش جرالها
مير داركم من عقبكم تندب الثرى تبكي على الماضين واعزتا لها
وشيابكم تضرب على غير موجب من عقب كبر الجاه تنتف سبالها
واستنهضت هذه القصيدة أهل نجد, وجمعوا من أموالهم الخاصة, وتركوا كل ما بأيديهم ووحدو صفوفهم, واتجهوا بجيش واحد, وحررو بلادهم واستعادوا أراضيهم.
تخيلت بعد قراءتي للقصيدة, أن الكويت خلوجاً "ضيع عيالها السواريح", وأن الحكومة أتاحت الكويت وثرواتها لاستباحة السراق بتهاونها وضعف هيبتها, وأنها في يوم كانت "ذيب يفرس بأياديه", "واليوم جا ذيب على الفرس" عداها, ولأنها ارتضت مصاحبة الديك, "عاعت معاعات الأدياك", أمنت لهم ووثقت بهم, وسلمتهم الأعنة, فتنمرو عليها باسم كل شيء نبيل, باسم الدين والوحدة الوطنية والدمقراطية, ولكن الحكومة لم تسمع الشاعر بديوي الوقداني وهو يقول:
الديك يذن لو عليه الجنابة والذيب ما يومن لو كان صاحبك
آمل أن نقرأ شعرنا القديم, لنستشف منه العبر والحكم, ونستنهض هممنا قبل فوات الأوان, ونعيد للكويت مجدها وعزها الذي فقد, ونعيد أبناءها ونوقف "عوالها", ونمسح دمعة المقهور, وكما يقول الشاعر البحريني علي عبد الله خليفة:
كبيرة دمعة المقهور
وأكبر
دمعة اللي في القهر راضي
No comments:
Post a Comment