Sunday, December 21, 2008

الثقافة أساس التنمية




عندما نتحدث عن الثقافة, فنحن نعني كل النتاج المادي والمعنوي والروحي وأنماط التفكير والسلوك, لمجتمع معين في بقعة معينة وفي زمن معين, وهي بذلك تصبح أكثر اتساعاً مما يعتقده البعض, فيحصره بالمعلومات وبالعلم وبالتجليات الإبداعية مثل الأدب والفن, ليصبح محوره الأساسي هو الإنسان, وسلوكه ورؤيته وقناعاته المتقدمة, بما يضمن بناء متقدماً وراسخاً لمجتمعه.
وبالتالي فتطور الثقافة يعني تطور الإنسان وتحضره, ولا يعني عدد الروايات والمسرحيات واللوحات التشكيلية التي تنتج في المجتمع فقط, رغم أن ذلك إحدى نتائج اهتمام الدول بالثقافة بمفهومها الشامل, واتساع رؤية أفراد المجتمع ونزوعهم للتقدم والتحضر.
وقد كان لاهتمام دولة الكويت بالثقافة, وتأصلها في وجدان الكويتيين, لأسباب جغرافية وتاريخية موضوعية, وأخرى ذاتية, دور هام في سرعة تطور الكويت, واستيعابه لضرورة الدمقراطية ونهوض مجتمع المؤسسات المدنية, وهذا بالتالي انعكس على بناء الإنسان وما زالت بقايا تأثيراته في عقول بعض الكويتيين حتى الآن, وفي أنماط معيشتهم, وعلاقتهم بالدولة, وأسهم ذلك في انطلاق النهضة الفكرية والأدبية والفنية, والتي كان لها جذور تاريخية, فوضع هذا الكويت في مصاف الدول الأكثر تقدماً بين قريناتها العربية, ولم تكن الدموقراطية نبتاً عشوائياً فيها, بل نسغاً لنبت قديم تربى عليه الآباء والأجداد, فأفرز هذه الدويلة الصغيرة المتميزة عن محيطها, السائرة في طرق الحداثة.
وعندما نذكر الماضي, فليس بغرض التغني به أو البكاء على أطاله, فالماضي لا يصلح إلا للدروس والعبر وتقويم الخطى, وأي مواطن كويتي في جيلي أو أكبر لا بد وأن يذكر عقدي الستينيات والسبعينيات, وحتى بعض أجيال الشباب الآن ممن سمعوا آباءهم يتحدثون عن تلك الفترة, يتأملون بعودة نمط التفكير والسلوك المصاحب لها.
أي تفكير أو رغبة بالإصلاح أو بالتنمية, يجب أن تبدأ بالأصيل والأساسي, تبدأ بالإنسان الذي يقع عليه عبء التنمية, الإنسان المسلح بالعلم المنفتح, والثقافة الراقية التي تعنى بالسلوك المتحضر والمسؤول والنزيه, وهذا لا ينشأ من التربية الأسرية فقط, فهي وسط وحلقة أضيق من حلقة المجتمع والدولة التي تضع أطاراً ومفاهيم عامة للثقافة التي يجب أن تسود, من دون وعظ أو إرشاد, فالوسط والبيئة المجتمعية العامة, الرسمية والشعبية, كفيلة بتشكيل وعي الإنسان وثقافته ودوره الاجتماعي والأسري الواعي.
أعلم أنها مهمة ليست سهلة, لكنها ليست مستحيلة أيضاً, خاصة بعد مرور أكثر من عقدين على الفوضى التعليمية والسلوكية والثقافية, لكن عندما يتبعثر الإنسان لسبب ما, كل ما عليه هو البدء من جديد, ما دامت الرغبة الصادقة بالتغيير موجودة.
في بداية الدولة الحديثة, كان لدينا وزارة ارشاد وأنباء, ثم تطورت الرؤية إلى وزارة إعلام, فالمواطن ناضج ولا يحتاج إلى توجيه أو إرشاد, وما يقع على عاتقه هو حرية الاختيار, فلم نكن قط في دولة شمولية, أو تحت حكم دكتاتوري, والثقافة الحقيقية تنبع من الاختلاف الواعي والمسؤول.
وما يستحقه الكويتيون الآن, هو وزارة ثقافة, حتى تسهم بتنمية وعي المواطن, وتسهم كضلع أساسي في بناء التنمية المستدامة, وبذا تعكس جدية وصوابية رؤية المسؤولين حول مفهوم التنمية, وأهمية مشروعات التنمية الكبرى لسعادة ورخاء الإنسان, وهي ليست مؤسسة ثانوية أو زائدة, بل هي ضرورة قصوى ووزارة سيادية إن صح التعبير, تشكل مع وزارة التعليم المسامير الأولى للبناء القوي الذي لا يسهل انهياره.
وإذا تحجج أحد بصعوبة تنفيذ هذا المشرع الهام, وعدم ملاءمته لنصوص الدستور, فيمكن البدء بما فعلت دول الخليج, بتغيير مسمى وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة والإعلام كخطوة مبدئية, لا تتنافى مع مواد الدستور, ويبدأ العمل بتفكيك وزارة الإعلام, هذه العجوز المترهلة, الغاصة بالبطالة المقنعة, والتي تستنزف أموالاً طائلة من الدولة, وبعدها يأتي إنشاء هيئتي الإذاعة والتلفزيون, وتطوير عملهما, وتحويل ما يمكن تحويله من قطاعات إلى وزارات أخرى, وتصفية غير المجدي منها.
هذا ليس حلمي فقط, ولكنه حلم كل مثقف كويتي, وكل من يهتم لأمر التنمية والتقدم في هذا البلد, حتى وإن كان الهدف البعيد هو تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي, فالخطوة الأولى والمستحقة لن تكون بلا مواطن واعي.

No comments: