Tuesday, December 9, 2008

ابعاد نفسية أم سياسية




سألتني إحدى الصحفيات بصفتي المهنية "كاختصاصي نفسي" السؤال التالي:
- ما هي أسباب اعتدءات اللاعبين الرياضيين على الحكام, هل هي نفسية؟
بالطبع كان جوابي, أن هذه الاعتداءات ليست حادثة محصورة في اللاعبين, ولكنها ظاهرة سلبية تعم الكثير من القطاعات والأفراد والفئات في المجتمع, بغض النظر عن الفئات العمرية والجنسية والمستوى الاجتماعي, لذا لا يمكن ارجاعها إلى أسباب نفسية فقط, وصحيح أنه يمكن أن يسود بعد نفسي لقطاعات واسعة من المجتمع, بسبب من أوضاع استثنائية, مثل الحروب والكوارث والمجاعات والقمع السياسي, وهذه الأوضاع قد تسبب عنفاً وشغباً وعصياناً, لكن هذه الحالة لا تنطبق على المجتمع الكويتي, لأنها كانت تحدث دوماً بأشكال محدودة في المجتمع الكويتي والمجتمعات الأخرى, لكنها الآن أصبحت ظاهرة من الظواهر الجديدة للمجتمع الكويتي.
وصحيح أن هناك ما يسمى بالتمرد على السلطة, مثل تمرد المراهق على سلطة الوالدين, أو خرق القانون أو اتلاف المرافق العامة, لكن في أغلبها تأتي من السلوك المراهق المضطرب, إلا في حالات قليلة, وقد يمتد هذا السلوك حتى ما بعد سنوات المراهقة.
لكن في الحالة الكويتية, الأسباب غير ذلك تماماً, فهذه الظاهرة التي بدأت بالتنامي في السنوات الأخيرة, مردها إلى ضعف المؤسسات المدنية, وتلاشي هيبة القانون, والفوضى والفساد, والاستقواء بالجماعات وبالقبيلة, وبالتمثل ببعض ممثلي السلطة التشريعية والتنفيذية, الذين يخالفون القانون وينتهكون هيبته, مستغلين بذلك نفوذهم, مثل الأب الفاسد الذي يعطي مثلاً لأبنائه بالفساد والتخلي عن المسؤولية, فالأب الفاسد قد يخلق أسرة مفككة وممزقة حسب علم النفس, فإذا كان المثل أو الكبير يسرق, فلم لا يسرق الصغير, وإذا كانت الثقافة السائدة هي "من صادها عشا عياله", فهذه الثقافة تصبح ظاهرة يتمثل بها الصغار والأبناء.
غياب مجتمع المؤسسات المدنية, وغياب جوهر الدولة الحضارية الحديثة, كفيل بأن يجعل زمام الأمور فالتاً, وهذا الفلتان الاجتماعي يجعل الناس تأمن العقاب وتسئ الأدب, فإذا كان ممثل الأمة يستطيع أن يكون نائباً بمخالفة القوانين, ومن خلال انتخابات فرعية مجرمة قانوناً, وإذا كان هذا النائب يسن قوانيناً للتعدي على أملاك الدولة, وإذا كان يستطيع تعيين المئات من أقربائه بشكل غير شرعي, وإذا كان يستطيع أن يخرج على أدب الحوار, والتعدي على الآخرين وتجريحههم, وإذا كان يستطيع أن يبتز ليحقق مصالحه الخاصة, وأكثر وأكثر..
فلم لا يفعل ذلك أبناء الشعب في كل القطاعات؟
إن ظاهرة الاعتداء على السلطة, لا تتوقف عند اللاعبين, ولكن شهدنا في السنوات القليلة الماضية, اعتداءات على المدرسين, وعلى الأطباء, وعلى الموظفين, وعلى رجال الأمن وهم الدرع الذي يحمي أمن المواطنين, فعندما لا يعود القانون موجوداً, وهيبة الحكومة مفقودة, تحضر البدائل, مثل القبيلة والطائفة والجماعة.
أخبرني صديق (والعهدة عليه) أن إحصائية 2007 تبين أن الوفيات بسبب من حوادث المرور والمخالفات المرورية, بلغت ما يقارب وفاة في اليوم, وهي نسبة مرعبة بالنسبة لدولة صغيرة وشعب محدود العدد, كل ذلك سببه عدم احترام القانون, وحتى من يروج المخدرات سيجد له واسطة متنفذة لإخراجه من الحجز.
الأبعاد سياسية بالتأكيد, وليست نفسية, وستشهد الكويت مزيداً من هذا الفلتان, وستتدهور البلد إلى مزيد من هذه الظواهر الغريبة عليه, وستسهم إجراءات تقييد الحريات من قبل بعض أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية, بكبت يزيد النار أواراً.

1 comment:

كاريكاتير said...

مرحبا

بداية ما تفضلت فيه بتفسير حالة العصيان المدني المبطنة

فعلا نحن بحاجة الان لتحرك

عرفنا تشخيص الحالة وبقي الآن وصف الدواء وبعد ذلك جلسات علاج حقيقية مفيدة..

السؤال من أين نبدأ في العلاج

تحياتي

بدر بن غيث
مدونة منع في الكويت