دعيت يوم الجمعة 20 مارس الجاري للغداء, في بيت أسرة إيرانية, حيث صادف اليوم دخول السنة الفارسية, وفي تمام الساعة الثالثة إلا ربعاً عصر ذلك اليوم, وحسب التقويم الفارسي, تم بدء العام الجديد, وهو ما يسمى بعيد نوروز, أو عيد الربيع الذي يوليه الإيرانيون والأكراد والتاجيك والأفغان وغيرهم من الشعوب الشرقية, توليه اهتماماً خاصاً.
ويبدأ الاحتفال بتحضير سفرة "هفت سين" أي سبعة أصناف يبدأ اسمها بحرف السين, مثل البيض الملون, والسمك الحي في الماء, والتفاح, والخضرة وغيرها, وقبل دقائق من بدء نوروز, يقرأ أحدهم أدعية إسلامية, تبدأ بيا مثبت القلوب إلى آخره, ثم تبدأ التباريك والتمنيات بعام سعيد, وتوزع العيادي.
وكطقس حضاري قديم, لابد وأن يكون هناك ما يشابهه من احتفالات في الحضارات الأخرى, وبقليل من البحث, وجدت أنه في الحضارتين البابلية والسومرية, أن عشتار آلهة الخصب والمخطوبة إلى تموز إله الخضرة, قررت النزول إلى العالم السفلي, فتوقف الخصب, فابتهل الناس إلى الإله الأكبر "أنكي", بأن تعود عشتار إلى الأرض, على أن ينزل بديل لها أسفل الأرض, وافق الإله فأخرج عشتار وأنزل تموز بديلاً عنها, فاختفت الخضرة من على الأرض, فابتهل الناس للإله بأن يرجع تموز إلى الأرض, فاتفق معهم بأن يخرج تموز ستة أشهر, ويعيده للأسفل ستة أشهر, فيخرج لينشر الربيع, ويعود للأسفل فيختفي الربيع, وهذه قصة مختصرة لأصل الاحتفال عند البابليين والسومريين.
ولكن المصريين أيضاً يحتفلون بعيد الربيع, ويقال أنه وجد قبل الأسرات الحاكمة, والبعض يقول أنه بدأ في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة, أي قبل 5000 سنة, وكان الاحتفال معروفاً في مدينتي هليوبليس و أوان, وأطلق عليه الكلمة الفرعونية "شمو", وتعني بعث الحياة, واعتقدوا أنه أول الزمان, حيث يتساوى الليل بالنهار, وقت حلول الشمس في برج الحمل, ثم مع مرور الزمن تغير اسم العيد, إلى شم النسيم, وتمارس فيه نفس الطقوس وتؤكل أثناءه نفس الأطعمة, فيخرج الناس إلى الحدائق, ويأكلون البيض الملون, والسمك المملح, والخضروات.
ويتشابه هذا الاحتفال بطقوسه وزمنه, في رأس السنة العبرية ويسمى "باساتش", اي الخروج أو العبور, وهو اليوم الذي خرج فيه اليهود مع النبي موسى من مصر, كما في سفر الخروج, وكان اليهود بعد عبورهم, يسلقون البيض بالماء والملح, كرمز للحياة الجديدة.
ويسمى هذا الاحتفال عند الاقباط, "عيد القيامة" وهو في أول يوم أحد من شهر برمودة في السنة القبطية من كل عام, على اعتبار أن المسيح صلب يوم الجمعة, ثم بعث يوم الأحد في هذا التاريخ, وما زال المصريون مسلمين ومسيحيين, يحتفلون بهذا العيد حتى الآن.
ويسمى في الغرب المسيحي "الإيستر", وأيضاً يشترك بالطقوس وبالطعام مع الحضارات الأخرى, حيث البيض الملون أساسي في هذا الاحتفال, الذي يرمز مع بقية العناصر إلى الحياة والخصوبة والربيع والبعث.
وقد يكون الأمر أبعد من ذلك, فلدى القبائل الجرمانية, آلهة تسمى "إيسترومنت", وهي آلهة الربيع والخصب, ويستخدم مصطلح "إيسترس" في الطب أيضاً, تعبيراً عن الإخصاب ومراكزه.
ويتضح هنا, ان هناك معتقدات وطقوس مشتركة أو متوارثة, عند جميع الحضارات, مثل رش الملح أو الأرز على العروسين, ففي الحضارات القديمة كان ذلك لطرد الشياطين والجن, وكذلك البصق على الإنسان لحمايته من الحسد, وهو طقس من الحضارات البدائية, ولكن مع تغير أديان هذه الشعوب, واعتناقها لأديان سماوية, ظلت محتفظة بهذه الطقوس, مع تغليفها بغلاف ديني.
ويتضح كذلك أن للربيع مكانة خاصة, لدي جميع البشر, فهو ليس فقط الفصل الذي يعتمدون عليه في معيشتهم, حيث تونع الأشجار والثمار, وتتزاوج فيه الكائنات, ولكنه أيضاً يحمل طاقة إيجابية حسب علوم الفيزياء, فترتفع معدلات السعادة أثناءه, ويزداد التفاؤل بين الناس, وقد يكون ذلك لتعادل أيونات الجو الكهربية, مع أيونات أجساد البشر كما يقال.
لكن البعض يصر على التعاسة والحقد والكراهية, حتى مع تقديم الطبيعة له, فرصة لا تعوض للمحبة والسعادة.
فكل ربيع وأنتم بخير.
2 comments:
ربط جميل
حضرت إحتفالات عيد النيروز عند إحدى الأسر الكويتية ذات الأصول الإيرانية
وإنبسطت جدا من الإحتفال البسيط ذو المعاني الكبيرة وهي الفرح بالربيع والخضار وموسم الخصوبة
:)
من عادات عيد النيروز أيضا لف جرة بالكامل بقماش الخيش ورشها بالماء ونثر بذور الرشاد عليها ثم تملأ الجرة الماء بهدف سقي الرشاد من خلال جدار الجرة الطيني وبعدها بأيام ينبت الرشاد الأخضر حول الجرة بمنظر جميل
:))
كل عام والجميع بخير
Post a Comment