Saturday, August 15, 2009

تشي 3 من 3



أرسلت الحكومة البوليفية فرقة مكونة من 1500 جندي, تساندهم عناصر من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA, للقبض على 16 فرداً يقودهم تشي غيفارا, ودارت معركة طويلة استمرت ست ساعات, قتل خلالها جميع رفاق تشي, وأصيب هو في ساقه, لكنه ظل يقاتل حتى تحطمت بندقيته أم-2 وضاع مخزن مسدسه, فقبض عليه حياً.
وتم اقتياده إلى إحدى القرى, وضرب وعذب, وظل 24 ساعة على قيد الحياة, ثم أمرت القيادة البوليفية بتعليمات من ال CIA, بإعدامه رميا بالرصاص, ودخل عليه المكلف بقتله, ولكنه تردد لهيبة شخصية غيفارا, فقال له غيفارا:" أطلق الرصاص, لا تخف, أنا مجرد رجل", لكن الضابط خرج دون أن يطلق الرصاص, فعنفه قادته وطلبوا منه أن لا يوجه الرصاص إلى رأسه أو قلبه, حتى يطول احتضاره وعذابه, فعاد وظل يطلق النار على جسد غيفارا, ولكن رقيب مخمور دخل وأطلق النار على جانب غيفارا الأيسر فأصاب قلبه, فمات.
ودفن غيفارا سراً في مكان مجهول, حتى لا يصبح مزاراً للثوار, وقطعت يده لأخذ بصماته, ولكن في عام 1997, أعيد هيكله العظمي إلى كوبا, بعد حملة عالمية طالبت بالكشف عن قبره, ودفن في ضريح كبير في سانتا كلارا, تلك التي حررها غيفارا مع رفاقه, وشارك كاسترو في الجنازة الرسمية.
الآن, وبعد أكثر من أربعة عقود, مازال اسم الثائر أرنستو تشي غيفارا يتردد صداه, هذا النبيل صاحب المبادئ الإنسانية, والذي قتل على يد مخمور, ظل في ذاكرة وضمير كل الشعوب, رغم أنه اثار جدلاً واسعاً لتبنيه الفكر الماوي, المرتكز على فكرة البؤر الثورية, وحرق المراحل, ورغم نصيحة جمال عبد الناصر له, بأنه لا بد من نضوج الظرفين الذاتي والموضوعي لنجاح الثورة, إلا أنه استمر بتنفيذ مبادئه والتزم بها حتى النهاية, قائلاً:" لا يهمني متى وأين سأموت, لكن يهمني أن يبقى الثوار منتصبين, يملأون الأرض ضجيجاً".
هذا المناضل الخالد, سواء اتفقت مع فلسفته النضالية أم اختلفت, لا تملك إلا أن تحترمه, وحتى بعض المواقع الإسلامية, طرحت موضوع "هل يجوز الإعجاب بغيفارا الملحد", لأنه شكل نموذجاً يحتذى به بين الشباب, بمن فيهم بعض الإسلاميين الذين احترموا إلتزامه الأخلاقي بمبادئه, وهذه إحدى السمات التي تجعل الشخصية الكارزماتية تؤثر عبر مرور السنوات, الشخصية التي يجتمع حولها المختلفين.
غيفارا كان مثقفاً, شاعراً, عازفاً للغيتار, مصوراً, ومن هواياته اصطياد الفراشات, وهذه الهوايات التي تبدو للغير أنها هوايات الضعفاء, هي ما يمنحه القوة الكبيرة والصلابة, فالمناضل الذي لا يقدر الفنون والآداب, يسقط سريعاً, وينتهي من ذاكرة الشعب, لأن البوصلة النضالية للمناضل هي الحب الكبير, وأظن أنه هو من قال:" رغم خوفي من أن أبدو مثيراً للسخرية, لكن دعني أقول أن الثوري الحقيقي يهتدي بمشاعر حب عظيمة".
وحتى صورته الشهيرة, التي صورها المصور "كوردا", بشعره الطويل ولحيته والبريه الشهير الذي يميزه, حتى هذه الصورة أصبحت رمزاً وكأنها علامة تجارية للاحتجاج والرفض, واستغلتها الكثير من الشركات, التي كانت ترفض فكره, فوضعتها على القمصان والقبعات, وعلى الساعات والملصقات, فلا تكاد تخلو غرفة شاب أو سيارته من هذه الصورة.
وتعكس هذه الصورة وجه غيفارا, وكأنه قديس بعينيه الحزينتين, الغارقتين بالغموض الساحر, وقد تكون أشهر صورة لأي ثائر أو مناضل على مر التاريخ, كما أن طريقة موته الأسطوري, جعلت منه شهيداً للمبادئ النبيلة, التي يؤمن بها جميع البشر.
كان غيفارا روبن هود عصري, أثار قرائح الشعراء من جميع الجنسيات ليكتبوا عنه قصائد ومراثي, ومنهم شعراء عرب, مثل أحمد فؤاد نجم في قصيدته المشهورة "غيفارا مات", والشاعر عبد الرحمن يوسف وقصيدته "على بعد خلد ونصف", والشاعر عبد الوهاب البياتي وقصيدته "عن موت طائر البحر".
مات غيفارا وترك خلفه دروساً وعبر للمناضلين والوطنيين, منها ضرورة التثقيف, والصدق والنزاهة والأخلاق النبيلة في حياتهم اليومية, البعد عن الذاتية والشخصانية, الروح الفنية والإبداعية, لا الجمود العاطفي والفكري هو ما يصنع المناضل الحقيقي, فالصلابة لا تتبدى بالقسوة وموت المشاعر, ولكنها تتبدى بالحب.
أليست الحياة مثيرة للسخرية, أن يتكرر الأمر بشكل دائم, ويموت الحر على يد مخمور؟!! يموت الفارس على يد لص وضيع؟!!

1 comment:

وليد الرجيب said...

عائشة
شكرا على اعجابك برواية اليوم التالي لأمس
فتأثير الرواية على الناس وعلي ايضا غريب
اعرف بعضهم يقرأها للاسترخاء كلما شعر بوطأة الحياة
والبعض الآخر يلجأ اليها بين فترة وأخرى
وعندما كنت أكتبها كنت متأثراً للغاية
شكرا لرأيك