Saturday, March 13, 2010

دلالات كتاب خليفة



صدرت الطبعة الثالثة من كتاب الدكتور خليفة الوقيان, "الثقافة في الكويت, بواكير-اتجاهات-ريادات", وقام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مشكوراً, بتوزيعه مجاناً على القراء.
ولا أحد منا يختلف حول أهمية هذا الكتاب, وما يحويه من مادة قيمة للمهتمين والدارسين للشأن الثقافي الكويتي, وقد صدرت سابقاً عدة كتب في هذا المجال, أذكر منها كتاباً أصدره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, وآخر للدكتور محمد حسن عبدالله, صدر في القاهرة أثناء الغزو, وكتاب الشاعر الراحل خالد سعود الزيد, "أدباء الكويت في قرنين", وغيرها من الكتب التي ركزت على الثقافة في الكويت.
لكن بماذا يختلف كتاب الدكتور خليفة الوقيان؟ فمعظم المادة هي تاريخ متاح في المراجع, في تصوري أن في هذا الكتاب نفس أو إتجاه, لتأكيد الوشائج القوية, بين الثقافة والكويتيين, وأن الكويت لم تكن يوماً صحراء قاحلة, ولم تولد مثل الكمأة قبل أربعمئة سنة, ولكن هذه البقعة من الأرض, كانت آهلة بالسكان المنتجين للثقافة, وكما هو معروف أن المجتمعات المستقرة, التي تملك وسائل وأدوات الإنتاج, تنتج وعياً وثقافة أيضاً, أي إضافة إلى النتاج المادي, هناك نتاج معنوي, وأنماط للسلوك, وتعريف الثقافة هو أنها مجمل النتاجات المادية والفكرية وأنماط السلوك, في مكان معين وزمن معين.
والوجود السكاني القديم, في هذه البقعة من الأرض, أثبتته الحفريات والآثار التي اكتشفت, فالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, كشف عن تجمعات بشرية في منطقة الصبية, تعود لخمسة ألاف سنة قبل الميلاد, ووجد فيها مقابر, وبقايا مراكب, وهياكل عظمية لأسماك, وأكتشف في تل بهيته عند ميناء الشويخ, ثلاث حضارات فوق بعضها, تعود إلى ما قبل الميلاد, كما أن الكويت وجزيرة فيلكا بها آثار تعود إلى حضارة دلمون والعصور البرونزية, إضافة إلى الحضارة الهلينية وغيرها, فعبر التاريخ شكلت الكويت أهم مناطق الترانزيت التجارية للحضارات القديمة, ورغم أن بعض قاطني الأراضي الكويتية, أتوا من قوميات أخرى غير عربية, مثل اليونانيين والفرس, إلا أن ذلك لا يمنع نسب هؤلاء لأرض الكويت, فكل حضارات الدنيا, تحوي آثاراً لحضارات وأعراق أخرى, فتلك كانت طبيعة التكون الحضاري, ومنها أيضاً الهجرات من مناطق أخرى, والأمثلة كثيرة منها مصر وأمريكا اللاتينية, ودول أوربا التي ما زالت تحوي آثاراً رومانية, وتعدها هذه الدول جزءً من حضارتها, وجميع هذه الدول أصبح لها كيانات سياسية مختلفة عدة مرات في التاريخ, وهذا ينطبق على الكويت, عندما تكون كيانها السياسي الحديث, بينما كانت الكيانات السياسية القديمة مختلفة.
والثقافة في الكويت, ليست شيئاً طارئاً, أو ثانوياً أو مقحمة على الشخصية الكويتية, بل كانت جزءً عضوياً من المجتمع, والأسباب عديدة, منها ما ذكره الدكتور خليفة, عن عوامل الاهتمام المبكر بالثقافة, التي أرجعها إلى طبيعة السكان, وطبيعة الموقع, وطبيعة النظام السياسي, والمؤثرات الخارجية.
ولعل الكتاب يرد بالوثائق والتواريخ والأسماء, على بعض الأخوة العرب, وبعض الفئات التي تتعمد نفي الطابع المتحضر للكويتيين, إذ توجد في الكويت حتى أفلام وثائقية كويتية, تصور ماضي الكويت كصحراء وخيام, ناهيك عن الطابع الثقافي لها, والذى تجرى محاولات طمسه كل يوم, وحتى هذه اللحظة.
أن الحديث عن الثقافة في الكويت, هو صراع من أجل تأكيد الهوية الحضارية لسكان هذه الأرض, قد لا يدرك أهميته سوى المنشغلين بالهم الثقافي, خاصة بعد تخلي الدولة عن اعتبار الثقافة أولوية تنموية.
وكتاب الدكتور محمد حسن عبد الله, والذي ذكرته سابقاً, هو أول كتاب يصدر عن سلسلة عالم المعرفة, بعد التحرير مباشرة, وبعد توقف قسري بسبب الاحتلال, مما يدل على أهمية الثقافة بالنسبة إلى الكويت.
ولعل من الأشياء المهمة في كتاب الدكتور خليفة, هو ما ذكره حول الاتجاه الإصلاحي والنزعة التنويرية في المجتمع الكويتي, وهي سمة للمجتمعات المنفتحة, فيقول الوقيان في صفحة 195:" قام النموذج الكويتي على أساس تنوع المنابع الثقافية, وتجذر مبدأ الحرية والدموقراطية, والانفتاح على الآخر والتفاعل الإيجابي معه, ونبذ الغلو, ومقاومة ثقافة احتكار الحقيقة". انتهى.
وهو ما تجسد في رفض الكويتيين للدعوة الوهابية, ومنذ بداياتها, ويقول الوقيان في صفحة 197:" لم يكن النموذج الكويتي القائم على الانفتاح مقبولاً في منطقة تغلب عليها الاتجاهات التي تميل نحو الغلو في فهم الدين". انتهى.
ويضيف في نفس الصفحة:" ويبدو أن الأفكار التي نادت بها الدعوة السلفية "الوهابية" في بداية ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب كانت موضع حوار في الكويت, ولعلها كانت محل تشكيك وعدم قبول, بسبب تعارضها مع طبيعة الانفتاح والتسامح التي سادت المجتمع الكويتي, وجاء علماء الكويت أكثر ميلاً نحو المنهج الاصلاحي". انتهى.
ولعلنا الآن نحن أحوج إلى استلهام تاريخنا, وإلى المنهج الفكري لأجدادنا, الذين كانوا منذ قرون مستنيرين ومنفتحين ومتسامحين, يقدرون الثقافة, ويثرون من تنوع مصادرها, بدلاً من التناحر القبلي والطائفي والعرقي, الذي كاد أن يمحو هويتنا الثقافية الأصيلة.

1 comment:

برنسيس إيكاروس said...

شكرااا عزيزي الدكتور وليد على هذا الطرح الجيد لكتاب الدكتور خليفة الرائع عن الثقافة في الكويت
وعلى طريقة تعريفك لمحتويات الكتاب القيمة
للذي لا يعرف الكويت أو تحديدا للذي ينتقص من الكويت والكويتيين
ودى وتحيتي
منى الشافعي