Saturday, March 20, 2010

الدوغما

قرأت بعض الانتقادات لأغنية غنتها فرقة أنثروبولوجي الشبابية, ورغم أني للأسف لم أمكن من تلبية الدعوة لحضور الحفل, الذي أقيم في جمعية الخريجين, ولم أسمع الأغنية التي غنيت باللغة العبرية, إلا أني لم أستغرب من تلك الانتقادات.
الدوغما "العقائدية", والنصية, مشكلات يعاني منها العقل العربي إن جاز التعبير, لأنني أؤمن بأنه لا يوجد عقل عربي واحد, وهو أيضاً يختلف في الزمان والمكان, لكن يغلب على التفكير العام الجمود وعدم إعمال الفكر, والوقوع في المسلمات وعدم مناقشتها فكرياً, وهو نمط من التفكير يقود إلى التخلف والمحدودية, ولم يسلم من هذا النمط, العديد من الفلاسفة والمفكرين, فما بالك بالإنسان البسيط.
هذه الدوغما, هي التي قادت بعض الشعوب العربية, إلى الوقوف مع صدام حسين, في إجتياحه الوحشي, ضد دولة عربية, تحت ذرائع فكرية مختلفة, مثل الوحدة العربية, ومثل نقف دون تفكير مع من يقف ضد أمريكا, ولا يختص تيار سياسي أو فكري أو ديني, بهذا النمط من التفكير, فعندما تصدر فتوى من شيخ دين, تقبل من التيار دون تمحيص أو مناقشة, وعندما يطرح شعار قومي, يؤخذ على علاته كحقيقة مطلقة, ولعل إحدى أزمات اليسار العربي, كانت في الوقوع في شرك الجمود والنصية.
بعض الدوغماتيين مثلاً, يرفضون الثقافات الأخرى, وإبداع القوميات الأخرى, فكثير منهم يرفض تعلم لغات تلك الشعوب, أو حتى الاستفادة من آدابها وفنونها, أو حتى الحديث عن إيجابياتها إن وجدت, فمثلاً ساد مصطلح "الشعب الصهيوني", بدلا من شعب إسرائيل, إذ لا يمكن أن يكون كل فرد في هذه البلد صهيونياً, فهناك جمعيات وتنظيمات وجماعات, في داخل إسرائيل, هي ضد السياسة الإسرائيلية, وحتى ضد سياسة أمريكا في مساندة إسرائيل, فالصهيونية هي حركة سياسية عقائدية عنصرية, مثلها مثل النازية, وهذه قابلة للرفض أو القبول بين اليهود أنفسهم, ولا يمكن أن يكون الإنسان صهيونياً بالولادة.
في الستينيات كنت أستمع إلى برنامج إذاعي من صوت العرب, أسمه أعرف عدوك, وكانت في حينها فكرة جيدة, لكنها في الواقع لم تطبق بشكل جيد, والدليل هي نكسة حزيران, بينما عمد الإسرائيليون, إلى ترجمة الأدب العربي, وتدريسه في الجامعات الإسرائيلية, واستفادوا من كل الفنون والثقافات الأخرى, وبالأخص العربية, في الوقت الذي بقينا عقوداً, لا نعرف خلالها شيئاً عن الأدب الإسرائيلي, أو الفنون الإسرائيلية ذات الطابع الشرقي.
لم نكن نريد تحرير أذهاننا من النصية, وأحياناً نرهب ونخشى من هذا التحرير, وخضعنا لمسلماتنا, حتى أصبح كل حديث عن إبداع فنان إسرائيلي, هو تطبيع وخيانة لأطفال غزة, ولقضية الشعب الفلسطيني, وكل فنان أو أديب إسرائيلي, هو فنان أو أديب صهيوني, بل قرأت مرة في إحدى الصحف العربية, قراءة عنوانها, قراءة في الأدب الصهيوني, ولم أكن أعرف هل المقصود الأدب المستند إلى الفكر الصهيوني, أم كان المقصود الأدب الإسرائيلي, أي المنسوب إلى الدولة, ناهيك مثلاً عن مصطلح الأدب اليهودي.
لقد قدم الموسيقار اليهودي الكويتي صالح الكويتي, ألحاناً عظيمة مازلنا نستمتع بها, وظل محتفظاً بتراثه الكويتي العراقي, حتى بعد أن هاجر إلى إسرائيل قسراً, بينما في إسرائيل تم تكريمه, وإذاعة أغانيه, بل سمي شارع في تل أبيب مؤخراً, باسم شارع الأخوين الكويتي, نسبة إلى صالح وداود الكويتي.
نحن لا نتوقع أن تتغير سياسة إسرائيل وأمريكا, تجاه قضايانا العربية, ولا تجاه شعوب العالم, لكننا سنظل نقرأ الأدب الأمريكي, ونستمع إلى الموسيقى الأمريكية, وداخل شعبي أمريكا وإسرائيل, أخيار وأشرار, مثلما لدينا في الكويت أخيار وأشرار.


No comments: