Saturday, March 27, 2010

بيع قطاع الدولة


لا يختلف اثنان على أن الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية, هي أزمة بنيوية, قد تكون الأكثر حدة منذ الكساد الكبير عام 1929م, التي تلتها انهيارات اقتصادية للدول, بما فيها الأوربية, وقامت على أثرها النازية, والحرب العالمية الثانية, التي قصد منها إعادة تقسيم الثروة, وإنقاذ الشركات الكبيرة, عن طريق فرض مزيداً من الأعباء على الشعوب, وزجهم في حروب مدمرة.
والكويت هي جزء من هذه المنظومة الاقتصادية, التي بالتأكيد تتأثر بأزماتها وانتعاشاتها, وتتخذ نفس الإجراءات التي يتخذها الرأسمال العالمي, ففي سبيل الربح الفاحش, فإن رأس المال يدوس على أي شيء وينتهك كل شيء, فخطط إنقاذ القطاع الخاص كانت دائماً على نفقة الدولة, مما يعني مزيداً من الأعباء على كاهل المواطن الكويتي, وعلى حساب حياته المعاشية, وانخفاض القوة الشرائية, ودفعه باتجاه صعوبات الحياة أكثر فأكثر.
وفي الخطة الإنمائية الأخيرة, إتجاه لخصخصة قطاع الدولة بالكامل, فيما عدى قطاع الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية مع الدول, مما يعني أن دولة الكويت, قد تكون الوحيدة, والنموذج الفريد في هذا التوجه المغالى فيه للخصخصة, فحتى الدول الأكثر رسوخاً وقدماً في النظام الرأسمالي, لم تجرؤ على تفكيك كامل القطاع العام, او قطاع الدولة, وبيعه للقطاع الخاص.
والكويت بذلك تتخلى عن الرعاية الاجتماعية, التي نص عليها الدستور, وانتهجتها السلطتين التشريعية والتنفيذية, والتي ضمنت حياة معاشية جيدة نسبياً, وقوة شرائية لا بأس بها للمواطنين, وقضت على الأمية في وقت مبكر, فالدستور ركز على العدالة وتكافؤ الفرص, إضافة إلى الحريات.
أنا أفهم أن هناك توجهاً إيجابياً, لجعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً, والقضاء على الفساد الإداري, وتطوير الخدمات, لكن الحل لن يكون برفع اليد عن حاجات المواطن الأساسية, وتنفيع الشركات الكبرى على حسابه, بل أن هذا التوجه الإيجابي, يجب أن يسهم برفع المعاناة عن كاهل المواطن, ودعم الخدمات الأساسية والمكتسبات التي كان يتمتع بها طوال عقود, من بعد وضع الدستور.
فكلنا نوافق على أن الفساد استشرى في الدوائر الحكومية, وتردت الخدمات, وسبقتنا بعض الدول في مجال التطوير الخدمي, لكن من قال أن القطاع الخاص, ليس فيه فساد, طال حتى بعض البنوك, وهي من أعمدة النظام الاقتصادي في الكويت, وطال أيضاً بعض المدارس الخاصة على سبيل المثال, وطال حتى بعض الشركات التي رسيت عليها مناقصات البنية التحتية, وما أزمة مجاري مشرف, إلا دليل آخر على فساد القطاع الخاص.
منذ بدء الأزمة الاقتصادية في العام الماضي, قام القطاع الخاص بتسريح آلاف من الشباب الكويتي والشابات الكويتيات, مما سبب في تحطيم أسر اضطرت معها إلى الغرق بالديون, وعجزت عن الإيفاء بالتزاماتها المالية, مثل تسديد أقساط مدارس ابنائها, ودخولها تحت طائلة القانون.
وحتى الإجراءات الحكومية التي اتخذتها, لم تستطع أن تسهم في رفع معاناتهم, ولم تستطع الحكومة الإيفاء بتعهداتها بإيجاد فرص عمل للمسرحين خلال عام من تسريحهم, فقد مر حتى الآن قرابة تسعة أشهر على هذه المشكلة, ولم تستطع الحكومة توظيف شخص واحد من هؤلاء المسرحين, كما أنها استنزفت أموالاً كثيرة لتعويضهم حسب قانون المسرحين.
وعلى ضوء ذلك, فالتوجه لخصخصة قطاع الدولة بالكامل, وبيعه للقطاع الخاص, سوف يصعب توفير فرص عمل للعمالة الوطنية, ويضاعف من البطالة بينها, وسيقوم القطاع الخاص بالاعتماد على العمالة المستوردة والرخيصة, وهذا بالتأكيد سينحدر بمستوى معيشة المواطن الكويتي.
أما الطامة الكبرى فهي تخصيص التعليم, وهو إجراء لم تلجأ إليه الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وغيرها, والتي حافظت على نسبة ضئيلة من التعليم الخاص, مقابل التعليم العام, وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة, إذ قامت بريطانيا وفرنسا مثلاً, بتعزيز ودعم وتوفير الخدمات التعليمية والصحية المجانية, كما حافظت الولايات المتحدة على نسبة أقل من 11% للتعليم الخاص فقط.
إن التوجه لتخصيص كامل قطاع التعليم, خطر للغاية وهو غير مسبوق, فالمنافسة التجارية في التعليم, ستخلق ليس منافسة في تحسين مستوى التعليم, لكنها على العكس, ستخلق أساليب متنوعة من أجل الربح, بما فيها التساهل في منح الشهادات, وانخفاض في مستوى المدرسين المختارين, وهو أمر حاصل في بعض المدارس البريطانية والأمريكية, فخفض جودة التعليم, لخفض كلفته المادية هو جريمة في حق أجيالنا القادمة.
لا يوجد مانع من مشاركة القطاع الخاص, في بناء الدولة وتطوير الخدمات, التي ساهمت البيروقراطية والفساد بتخلفها, لكن الحل يكون بالقضاء على الفساد الإداري, ورفع قيمة العمل لدى المواطن, وتطبيق القانون للقضاء على التسيب, والقضاء على الواسطة والمحسوبية, وفي الجانب التعليمي, ما زلنا نطالب بتطوير المناهج لمواكبة متطلبات العصر, وتطوير أداء المدرسين, وذلك لا يعني إلغاء التعليم الخاص, وإعطاء الفرصة للناس لاختيار الأنسب لأبنائها.
الغريب رغم انه تجري الآن, تحركات شعبية في العالم أجمع, ضد مثل هذه الإجراءات, يوافق أعضاء مجلس الأمة على الخطة الإنمائية فوراً, على غير عادتهم, وهذا يجعلنا نتساءل.

No comments: