سابقاً كانت تقاس أهمية الصحف بصفحاتها الثقافية, والقضايا الفكرية المطروحة ضمنها, ولعل واحدة من أفضل الصحف كانت "الوطن" عندما كان يرأس تحريرها الأستاذ محمد مساعد الصالح, فموضوعات الصفحة الثقافية كانت تضاهي المجلات الأدبية العربية, سواء كانت المقالات والإبداعات كويتية أم عربية وعالمية.
ومع ازدياد عدد الصحف اليومية هذه الأيام, يفترض أن يكون هناك غنى في الثقافة, فهذه الصحف استقطبت محررين للصفحات الثقافية بعضهم كتاباً مرموقين من الدول العربية, وبعضهم مبدعين, لكنهم لا يعرفون الساحة الثقافية الكويتية, ولا يبذلون جهداً للتعرف عليها ودراستها, ولا يعرفون الكتاب والأدباء الكويتيين.
وقد لا يعطي رؤساء التحرير أهمية كبيرة للصفحات الثقافية في صحفهم, لذا فالإعلانات تطال هذه الصفحات أولاً, وقد يكون هدف ملئها بالمواد هو ما يجعل هؤلاء المحررين يقابلون الأدباء والمثقفين عبر الهاتف, دون عناء اللقاء بهم وجهاً لوجه.
فأحد المحررين المحترمين خاطبني وتعامل معي بصفتي ناقداً, وأنا لست بناقد, وآخر تعامل مع كاتب شاب لم ينشر كتاباً على أنه الكاتب الكبير, وتعاملوا مع شاعر شعبي على أنه أديب كبير, لم يقرءوا تاريخ الأدب والثقافة في الكويت, ولم يعرفوا أجيال الأدباء وتطور الحركة الفكرية في الكويت, ولذا سألني أحدهم:"هل انتهى الإبداع في الكويت؟", ولا أفهم كيف يمكن أن ينتهي الإبداع عند الشعوب, فما دام هناك بشر فالإبداع يزيد ولا ينتهي, وسألني آخر:"ما تأثير حل مجلس الأمة على الثقافة في الكويت؟", أو "ما رأيك بالنائب الفلاني؟", أنا لا أقول بأنه لا يحق لأحد بأن يطرح ما يشاء, فكما يقال "لا يوجد سؤال غبي, بل هناك إجابات غبية" ولكن للأسئلة وجاهتها أيضاً.
هذه الصحف الجديدة يجب أن تكون مجالاً ثرياً للثقافة بمنظورها المتحضر والعميق, وقد تفاءلنا خيراً بالتعدد وخاصة بوجود محررين مثقفين, لكن بعد مرور وقت كاف على ظهور هذه الصحف, يجب أن يكون المحررون قد عرفوا الساحة الثقافية والأدبية في الكويت, وبودي لو اجتمع رؤساء التحرير بالمحررين الثقافيين لحظة وصولهم الكويت, وحضهم على تكثيف حضورهم للنشاطات الثقافية, وقراءة تاريخ الحركة الأدبية والثقافية, والالتقاء بالأدباء وجهاً لوجه, ومعرفة سير حياتهم.
مرة أخرى الإصلاح والتنمية
نشرت القبس في عددها الصادر يوم السبت 22 مارس الجاري يقول:" أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي أمس قانوناً يقضي بإنشاء مؤسسة برأسمال 10 مليارات دولار (ما يقارب 3 مليارات دينار كويتي), تعنى بالارتقاء بمستوى البحث العلمي, ودعم وتنشيط أعمال التأليف والنشر والترجمة, وتهدف المؤسسة إلى تصميم وإدارة برامج بناء ودعم قاعدة معرفية متطورة, والارتقاء بمستوى البحث العلمي, كما تعنى بإنشاء المتاحف والمكتبات المتخصصة ومراكز البحث ودور النشر والترجمة, وإطلاق الجوائز العالمية في مجالات الثقافة والأدب والمعرفة والعلوم, وإصدار دوريات في مختلف المجالات, وتنمية الثقافة ودعم وتشجيع المثقفين".(انتهى الاقتباس)
عندما يأسف الشعب على ما وصلت إليه الكويت من مستوى متدن من التنمية بجميع مجالاتها, فلأنه يعلم أن ذلك يعود لتدني مستوى الاهتمام بالثقافة بمفهومها الشامل, وغياب وعي الحكومة عن الضرورة القصوى للثقافة في الإصلاح والتنمية.
بل أسوأ فهناك انحطاط في التعامل مع الثقافة والأدب, فما زالت تصادر أعمال مبدعين كويتيين, وهناك ازدراء للثقافة الجادة, وتشجيع للسطحي والتافه منها, حتى بلغ الأمر إلى انحدار مستوى التعليم, وتهديد هيبة الحكومة, وانتهاك صريح للقانون من السلطة التشريعية, والانتخابات الفرعية للقبائل دليل واضح, فالكويت لم تعد لعصر نهضتها.
وفي الوقت نفسه تعي دول شقيقة, كنا نقدم لها المساعدة الثقافية والعلمية, تعي هذه الدول أهمية الثقافة, فتصرف عليها المليارات, والحكومة الكويتية تستكثر على الكويت إنشاء وزارة ثقافة.
ألم يئن الأوان؟
1 comment:
كلام جميل بس من يسمع
Post a Comment