Saturday, January 9, 2010

الإبداع حياة



هل الإبداع شيء صعب؟ ربما على غير المبدعين والموهوبين, وذو الخيال المحدود, الذي يكون أداؤه في حدود ما يعرفه وتمرن عليه, فهو صانع وليس خالق أو مبتكر.
عندما أقرأ أن أحد الأدباء قضى خمسة عشر عاماً في كتابة رواية, أفكر أنه يعمل في بحث أو دراسة, وليس عملاً إبداعياً, ومع الاحترام للجميع هذا الأديب ليس لديه قدرات على الخلق, أو لا يعرف كيف يتكون الإبداع, أو يكتب ببطئ شديد.
الإبداع لحظي الولادة وتلقائي دون تخطيط وهندسة, كما أنه لا يشبه الوظيفة التي يمكن أن نتركها أو نتقاعد عنها, فالإبداع بالنسبة للمبدع هو الحياة ذاتها, ونهاية إبداعه يكون بنهاية حياته.
كما أنه ليس للإبداع وحي أو إلهام, هناك استثارة سمعية أو بصرية أو حسية, تبدأ معها أو تستدعي مخزون المعرفة والخبرة في الدماغ, ليوضع بصياغة جديدة, سواء كان موسيقى أم أدب أم تشكيل فني.
صحيح أن القراءة هي وقود العقل, لكن العقل لايغتني بالمعلومات فقط, ولكنه يغتني أكثر بالخبرة والتجربة, فالحياة ذاتها وطرق إدراك تفاصيلها وزوايا رؤيتها, وإعادة صياغة هذه التفاصيل, هي ما يميز المبدع, ولذا لا أفهم أن يقول المبدع أنه كبر ولم يعد لديه ما يقوله, فالإبداع لا يجف, ولكنه يغتني مع استمرار الحياة, فكلما كبر الإنسان كلما ازداد إبداعاً, ما يضعف مع تقدم العمر هو طاقة العمل وليس الرؤية الإبداعية.
والمبدعون مثلهم مثل بقية البشر, يمكن أن يكونوا محدودي الفكر وبالتالي الإبداع, أي يتأثرون بالحدود الذهنية التي يضعها المجتمع, رغم أنه من الناحية العلمية, العقل لا حدود له, لكن المجتمع وقوانينه وعاداته وتقاليده هي ما يحد العقل, وعندما يفكر المبدع بأن ذلك يجوز وذاك لا يجوز, يتوقف عن الإبداع, وكذلك المبدع الذي يراعي آراء النقاد, يفقد لحظة السحر الإبداعي, وتخلف المجتمع قد يحد من تمرد المبدع, ومن كسره للقيود الاجتماعية الذهنية.
كما أن المبدع الذي يكتب ويشطب كثيراً, ليس مبدعاً, قد يكون صانعاً أو تقنياً, فالإبداع يتدفق مثل السيل الذي لا يتأمل طريقه, ولكنه يتدفق ويسير فقط, فأي اعتبارات ذهنية يضعها المبدع, تفقد الإبداع قيمته الإبداعية, فيتحول الشعر إلى نظم مثلاً.
ولأن الإبداع يأتي من العقل الباطن, فهو لا يخضع للمقاييس والمعايير, لأنها من اختصاص العقل الواعي, فهو المختص بالنقد والحدود الاجتماعية والكلام والأرقام, أما العقل الباطن فهو مختص بالصورة أي الخيال والشعور.
الإبداع إدمان وحالة من عدم الإشباع الدائم, فالمبدع يشعر باللذة لحظة الإبداع, وحالما ينتهي يجوع مرة أخرى ويتوق إلى لحظة مماثلة, أو ما يسمى بالإنجليزية craving أي شهوة أو رغبة لا تقاوم, يؤدي عدم اشباعها للألم الذهني والشعوري.
وغير صحيح بتاتاً أن ما يستثير العقل الإبداعي هو الكحول والمخدرات, بل العكس تماماً, فالكحول والمخدرات تطمس مصادر الإبداع لدى الإنسان, فالمبدع لا يحتاج إلى مستثير خارجي كي يعيش خارج الواقع, وأي تحفيز هو لحظة يبني بعدها العمل الإبداعي بما يشبه الغياب عن الوعي.
إذن الإبداع لا يحتاج إلى زمن طويل لخلقه, فالإنسان يستطيع رسم لوحة أو تأليف مقطوعة موسيقية وكتابة رواية, في زمن قصير جداً, فاللوحة هي ضربة الفرشاة التلقائية, والمقطوعة الموسيقية هي النغمة الأولى, والرواية هي المشهد الأول أو الجملة الأولى, ولكي تستمر وتكتمل لا تحتاج إلى سنوات, فأفضل الروايات هي ما كتب خلال أيام أو اسابيع قليلة.

1 comment:

برنسيس إيكاروس said...

أخي العزيز د. وليد
صدقت في كل ما كتيته عن لحظة الإبداع وتدفقه السحري ... متى ما وجدت الفكرة
والتكنيك انسابت أدوات المبدع تشكل الشخوص و الأحداث دون النظر للوراء
أو للقوانين او للمنغصات و المعوقات
وهكذا حتى يكتمل العمل
وشكراااااااا لتأكيدك هذه الأمور حول المبدع والابداع
لأنني أشاركك هذا الرأي
مودتي
منى الشافعي