Saturday, January 30, 2010

الحياة



الحياة جميلة, وتجربة تستحق أن تعاش, وأستغرب من المدبرين عنها, والرافضين لها, وأعجب من المتكابرين عليها, وعلى عطاءاتها السخية, ففي الحياة جمال باذخ, من ينكره هو أقل تواضعاً وأدنى إنسانية, هو عنيد ومكابر ومغرور, أو جاهل فخور بجهله, أما الحياة فلا تلتفت على أحد, ولا تنتظر المتخلفين عنها, فقط تسير بثقة, ناثرة بهاؤها على الناس, ومن أراد فليلتقط هذا السحر وهذه الفتنة, ومن لم يرد, فليظل قابعاً في مكانه, أو فليعش في لحظة ماضية, ويرتدي رداءً بالياً.
الحياة تطرح علينا مجازات رائعة الذكاء, كألغاز وأحجيات الأطفال, نعيد اكتشافها مرة بعد مرة, وندهش في كل مرة من الإمكانات المخبأة, ومن المفاجأت السارة, كاكتشاف البحار للؤلؤة, بعد فلق المحار واحدة تلو الأخرى.
اللؤلؤة هي مكافأة الحياة لنا, والتي لا تشبه سحب اليانصيب, فمن يسعى للسعادة سيجدها, بعد تفكيك المجازات, نحن نبحث عن مفاتيح السعادة, وهي في جيوبنا, ولا يحتاج الأمر أكثر من مدة يد, نحن نسعى للحياة ولا تسعى إلينا, والحب هناك, ينتظر.
نحن من يعلن الحب ويشنه بضراوة, مدركين للمخاطر, كما يدركها البحار وهو يرتاد البحار, ويغوص فيها سعياً للكنوز المخبوءة, التي يعرف أنها هناك, بانتظاره, والحب الذي نرتاد, هو طوع القلوب الجسورة, نذهب إليه بملئ إرادتنا, ولا يأتينا بمجرد التمني, والخيار لنا, أما أن نكون طيوراً في الأعالي, أو نكون سحالي في الجحور, أما أن نكون أشجاراً شامخة مثمرةً, أو نكون طحالب طفيلية.
وأتذكر مقولة والدي التي كان يرددها:
- "يا أما أنك مع الطير هام, وإلا ترثع بك الحياة".
في الحياة, نتعرض إلى صعوبات ولحظات ألم, ونفقد أعزاء, لكن كل ذلك هو جزء من أحجية الحياة الكبيرة والعجيبة, التي نقوم بتركيب أجزائها, فتكتمل وتتوضح معالمها, ويأتي بعدنا من يضع أجزاء أخرى في الأحجية اللانهائية.
والحكمة ليس أن نعرف كل شيء, بل الحكمة هي كلما أوغلنا في الدنيا, أدركنا حجم قصور معرفتنا, وأن علاقة الزمن الذي نعيشه بالمعرفة, ليس علاقة شرطية, فالحكمة هي أن نعرف أننا لا نعرف, وأننا في سيرنا نغفل عن جوانب الطريق وإشاراته, ونهدر أوقاتاً ثمينة في صغائر لا تضيف لنا, بل تنهكنا وتشوهنا في نهاية المطاف, فندرك متأخرين كم كنا مكابرين وسطحيين.
أن نقبل على الحياة يعني أن نقبل على الحب, على الاحترام, وحب واحترام أنفسنا يأتي في المقدمة, حتى وإن اضطررنا إلى الاعتذار للحياة, عن سوء فهمنا لها, على مكابرتنا وانتفاخنا بالفرص الضائعة.
التعالي على الموت, هو تعال على الحياة ومفرداتها, وقراءة خاطئة لكتاب الحياة, أو إغفال للوحاتها الإرشادية, وتيه في الطريق, وضياع للوقت.
فهل نحزن للفقد, أم نكون ممتنين لوجود الراحلين في حياتنا, الذين علمونا كيف يكون الحب, وكيف تكون الحياة؟ الذين علمونا أن كل الأشياء العظيمة, هي عظيمة في بساطتها, واضحة في بداهتها, ولا تحتاج لإدراكها, وكشف سرها أكثر من التواضع.
الحياة هي أن نتأنى, ونترك خيارات التعلم مفتوحة, دون مكابرة, دون رفض متباه, وغرور بالقليل الذي نعرفه, ونتعلم شرف الاعتراف بالجهل, وانسياقنا في طريق لا يؤدي للحب.
تلك فضيلة الراحلين, الذين ينيرون بصيرتنا, ويعرون غرور جهلنا, ويتركوننا دون وعظ وإرشاد, لنواجه الحياة, في نقطة تقاطع الطرق, محملينا مسؤولية الخيار.




No comments: