Saturday, January 23, 2010

الثقافة ضمن خطة التنمية



بعد موافقة مجلس الأمة على خطة التنمية, التي تقدمت بها الحكومة, انتاب الشعب الكويتي شعورين متناقضين, شعور بالغبطة لعودة البلد إلى السكة السليمة, إلى طريق التنمية التي انتظرها لسنوات, وشعور آخر بعدم اليقين, وذلك لاختباره أعوام طويلة لعدم جدية الحكومة, ولبيعها السمك في البحر للمواطنين كما يقال, ووعودها التي ظلت مجرد بيع أوهام وكلام.
ولكن بسبب جوع الناس للعمل الحكومي الجاد, وتوقها لإعادة النظارة للكويت, وإعادة الاعتبار لمكانتها في وجدان الكويتيين, الذين اعتادوا نهضة بلدهم بشكل مضطرد, وفاخروا بهذه النهضة عند جميع الشعوب, فبسبب هذا الانتظار الذي كاد أن يكون عدمياً, وبلا أفق, اغتبط الشعب لهذا الخبر, حتى وإن كان وهماً أو سمكاً في البحر.
صحيح أن أعضاء مجلس الأمة, الذين لم يكونوا ضمن الورش التنموية, في المرحلة النهضوية للكويت, ساهموا بقلة شعورهم بالمسؤولية, وبسبب أولوياتهم المصلحية الذاتية, وأجنداتهم المتخلفة, في عرقلة خطط التنمية, وانحراف الكويت عن مسار البناء والتقدم والحداثة, لكن الحكومة أيضاً بضعفها وجزعها من الأصوات العالية, وهلعها من التهديد والوعيد, ساهمت في طمس طموحات الشعب, وانغمست في إرضاء النواب, على حساب مصالح الشعب الحيوية.
أن اي مشروع تنموي جاد يؤسس لبنى تحتية, أو يطور من الخدمات الأساسية, سيكون محل ترحيب وتصفيق من قبل الناس, الذين سئموا من تداعي وطنهم كعمارة قديمة بالية, ملوا من التراجع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي, على مر السنين والعقود.
في ظل هذه النشوة, نرجو أن لا تغفل الحكومة عن واحدة من أساسيات النهضة, التي جعلت الكويت تكتسب مكانتها المرموقة بين الدول, وأقصد التنمية الثقافية التي لا يمكن ذكر الكويت من دونها أو إغفالها, فالثقافة هي ما أكسبت الكويت تقدير الشعوب لها, وهي علامتها الفارقة عن الدول التي تمتلك النفط مثلها, وهي ميزة كانت الكويت تمتلكها حتى قبل النفط, وهي الصبغة التي طبعت نموذج الإنسان الكويتي, والشخصية الكويتية, هذا التميز الثقافي أوصل الإنسان الكويتي إلى نسغ الحياة السياسية والاقتصادية المتحضرة, إلى النهج التنموي في كل المجالات, ومنها النظام والممارسة الدمقراطيين.
لم تكن الكويت ستصل إلى تلك الحقبة النهضوية, لولا الأجواء الثقافية المكونة لعقلية الشعب, والنفط ساهم في تأصيل التنمية والتحديث, حيث الإنسان أولاً, وتليه المباني.
في النهضة الأولى, بنيت المسارح في كل منطقة سكنية, مثل كيفان والشامية والدسمة, وانتشر التعليم الحديث, وقضي على الأمية, وانتشرت المطبوعات الثقافية والفكرية, وأنشأت رابطة الأدباء وجمعية الفنانين, وجمعية الفنانيين التشكيليين, ولاحقاً أنشئ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, وقدم ما لم تقدمه وزارة ثقافة عربية, وجرى الاهتمام بالفنون والآداب, وكل ذلك ساهم بدفع مضاعف لمسيرة التنمية, وساهم في وقوف الشعوب مع الكويت إبان الغزو عليها عام 1990, وبلغت سمعة ومكانة الكويت, هذا البلد الصغير, إلى مستويات تفوق حجمها وتاريخها الحديث.
لم أطلع على تفاصيل الخطة التنموية الأخيرة, وأرجو من أن يكون الشيخ أحمد الفهد, قد استمزج آراء المثقفين والأدباء والفنانين, واطلع على تفصيلات كثيرة قد تخفى عليه, فيما يخص التنمية الثقافية, وضرورتها عند وضع أي خطة تنموية, وأهمية الثقافة بالنسبة إلى دولة الكويت وإلى الشعب الكويتي.
والتفاصيل كثيرة, تبدأ من تعليم يواكب تطورات العصر, وتنفيذ المشاريع الثقافية المعطلة منذ سنوات, مثل مسرح الدولة, وتفعيل دور المتاحف, وتنشيط التنقيب عن الآثار, ودعم الأدب والأدباء, ودعم الفن والفنانين, وتجديد مباني أنشطتهم الآيلة للسقوط, والتي يجب أن تواكب حجم النشاط والمكانة, وتضاعف أعداد الأعضاء خلال السنوات المنصرمة.
هناك تفصيلات كثيرة في الجانب الثقافي, يمكن تضمينها في خطة الدولة التنموية, وإذا أراد الشيخ أحمد الفهد الاطلاع على أهمية الثقافة بالنسبة للكيان الكويتي والإنسان الكويتي, فأنصحه بقراءة كتاب الدكتور خليفة الوقيان "الثقافة في الكويت.. بواكير واتجاهات", وكتاب آخر أصدره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, بنفس العنوان تقريباً, وكتب أخرى لكتاب كويتيين وعرب.

No comments: