Monday, February 8, 2010

من يفرط بالقليل يفرط بأكثر




لا نكاد نتفاءل بمبادرة حكومية, حتى نصدم ونحبط وتخيب آمالنا, وندرك أن حكومتنا ليست بمستوى العزم والإصرار اللذان تبديهما, وليست بمستوى الوعود التي تقطعها للشعب.
تنفسنا جميعاً الصعداء, عندما تقدمت الحكومة بخطة التنمية, وشعرنا بعبورنا من عنق الزجاجة, بعدما وافق عليها مجلس الأمة, وكدنا نبشر أبناءنا وأحفادنا بمستقبل باهر, ونعدهم بعودة أسطورة وأمجاد الكويت التي سمعوا بها, وعزم الحكومة على تحقيق آمال وأحلام الشعب.
ولكن لأن الحكومة اعتادت على التنازل أمام الجهل والتخلف, والتفريط بهيبتها خوفاً من الزعيق والتهديد, سمحت لنواب المصلحة الذاتية, أن يفرضوا شروطهم, ويصبغوا خطة التنمية بطابعهم, ويضمنوها أجنداتهم.
فحسب جريدة النهار الصادرة يوم 29 يناير الماضي, أدخلت اللجنة المالية البرلمانية, تعديلات ذات صبغة إسلامية على الخطة الإنمائية, ووفقاً للتعديلات تمت إزالة كلمة موسيقى من السياسات التعليمية, وأضيفت جملة تعزيز سياسات التعليم الديني على الخطة التعليمية, ووافقت الحكومة على هذه التعليمات فوراً, دون مناقشة, طالما أنها تمس الجانب التعليمي لا الاقتصادي.
ورغم أنه لا إصلاح ولا تنمية, دون إصلاح وتنمية التعليم, إلا أن الحكومة كما يبدو لا تعير أهمية للتنمية والاستثمار البشريين, وكأن المستفيد من هذه التنمية ليش الشعب, وكأن من سيشارك بنهضة البلاد ليسوا من أبنائه.
كل الدول عندما تضع خططاً تنموية تبدأها برفع المستوى التعليمي وتحديثه, على اعتبار أن الإنسان هو الثروة الحقيقة, التي كلما تم استثمارها بشكل صحيح وصحي, كلما عاد ذلك بالخير على الأوطان, ومن المستحيل أن يتم ذلك في ظل تدخل الدين وسيطرته على السياسات التعليمية, ولعل سبب الانحطاط الثقافي والحضاري, وضعف المستوى الأكاديمي, وضعف إنتاجية العمل, سببها غياب منهج التفكير في التعليم, والبعد عن تطوير المهارات الإبداعية والعلمية, سببها غربة الطالب الكويتي عن التطور العالمي.
إن مناهج التعليم الكويتي, هي مصانع للفشل وضعف الوعي, وزرع الخرافة والإرهاب, وكراهية الشعوب, وهي بعيدة كل البعد عن التربية وقيم المواطنة والولاء, وتحولت المدرسة إلى مفرخة لتسيب السلوك وضعف التحصيل الدراسي, والاعتداء على المعلمين, وانتشار المخدرات, وهذا دفع بالناس لاختيار التعليم الخاص لأبنائهم.
لم تتعلم الحكومة من سلوك الإسلام السياسي, الذي يقضم لقمة بعد لقمة, على غرار سياسة خذ ثم طالب, واعتبرت تنازلها أمام تعديلات اللجنة البرلمانية غير مؤثر بخطتها, ولم تكن تنظر أبعد من خطوتها, وكل همها كان إثبات أن لديها خطة, وأنها مررتها باللتي واللتيا, وكل ما تريده هو مانشيتات الصحف التي تشيد بها, وتصفيق الناس المخدوعين بوعودها.
هذه الحكومة فرطت بأحد أهم عوامل نهضتها, واستمرت باهمالها وعدم تقديرها للثقافة, ولسنوات طويلة, حتى نسيت أن الفضل الأول في سمعة الكويت الرنانة, هو الثقافة بمفهومها الواسع, ولولاها لما كانت لها تلك النهضة الاقتصادية التاريخية, ولم يكن للنفط معنى لولا الإنسان الكويتي, ولولا سياسة الحداثة التي انتهجتها الحكومة في خمسينيات القرن الماضي.
إن قوى الإسلام السياسي, لا تعنيها التنمية ولا التقدم, ولا يعنيها تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري, ولعل ممارساتها البرلمانية التأزيمية في السنوات الماضية, خير دليل, ولعل تركيزها على تقييد حريات الناس, ومنعهم من الفرح, بما سمي محاربة الظواهر السلبية, مثال واضح, واهدارهم لأموال الشعب في قوانين متخلفة مثل منع الاختلاط, ومطالبتهم باسقاط فوائد القروض, أدلة فاضحة على عدائهم لمصالح الكويتيين.
والتاريخ يبين, أنهم لا يقفون عند حد منع كلمة موسيقى, أو جملة تعزيز سياسات التعليم الديني, ولكنهم سيمضون أكثر في أجندتهم لتحويل الكويت إلى دولة طالبان أخرى, وهدم النظام الدمقراطي الذي لا يؤمنون به في معتقداتهم المتشددة.
ولتنتبه الحكومة, وتتعلم من درس التاريخ, أنها إن فرطت اليوم بالقليل, فغداً ستفرط بأكثر, وإن فرطت اليوم بتطبيق قانون, فغداً ستفرط بالدستور, وبالتالي ستفرط بالشعب الكويتي.

No comments: