Thursday, May 6, 2010

حديث الدستور




إن الجدل الدائر حول تنقيح الدستور, جدل غير جديد, بل يعود إلى مناقشات لجنة الدستور, في عام 1962, وهذا الخلاف يتركز على فلسفة الدستور الكويتي, التي أخذ النقاش حولها إتجاهين, اتجاه النظام البرلماني, واتجاه النظام الرئاسي, وتعود وجهتي النظر إلى أما تغليب النظام البرلماني في الدستور, أي تعزيز الشعبية في الدستور, وأما إلى تعزيز هيمنة رئاسة الوزراء على مجلس الأمة.
ولكن الرأي الأخير, ينطوي على صعوبة تتمثل بطبيعة الحكم في الكويت, التي ارتضاها الشعب, بأن يكون الحكم في ذرية مبارك, فالدساتير التي تطبق النظام الرئاسي, تفترض أن يكون الحاكم هو رئيس الدولة, ويكون منتخباً من الشعب لفترة محددة, وهذا لا يمكن أن يطبق في الخصوصية الكويتية, وهو أمر لا يوجد إلا بالنظام الجمهوري, ولذا ارتأت المذكرة التفسيرية, وبعد نقاشات مستفيضة, أن يكون النظام هو نهج وسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما, مما يعني أنه في حال التعديل الدستوري, سيعدل باتجاه النظام البرلماني, كما تنص عليه المذكرة التفسيرية.
ولا شك أن هذه الفلسفة الدستورية, تفرضها طبيعة الخصوصية الكويتية, كما أرادها المشرع, لكنها من جانب آخر, تسبب صراعاً بين المجلس والحكومة, يتمثل في محاولات كسب ميزان القوى, كل لناحيته, هذا الصراع لن نجده في مجالس الشورى المعينة مثلاً, لكننا سنجده بشكل أو بآخر, حتى في المجالس النيابية ذات الطابع الرئاسي, وهو صراع إيجابي في كثير من الأحيان, لضمان عدم تفرد طرف على حساب الطرف الآخر, وحتى لا تكون المجالس النيابية صورية.
لكن محاولات التنقيح للدستور الكويتي في منتصف السبعينيات, وبداية الثمانينيات, لم تحض بقبول شعبي, بل تم رفضها بإجماع شعبي, ليس لأن الدستور قرآناً لا يمس, بل لأن أي محاولة للتنقيح, ستكسر الحاجز النفسي لقيمة الدستور وهو الإطار العام لحياتنا السياسة, وتفتح شهية الراغبين لإفراغ الدستور من محتواه المدني والديموقراطي, في إتجاهات لا تمثل آمال الآباء المؤسسين, ولا تمثل طموحات الشعب, مثل تغيير المادة الثانية من الدستور, والتي تحيل الكويت إلى دولة دينية, وليست مدنية, وما يتبعها من سن قوانين وإجراءات, تمس حياة الناس وحرياتهم, وتغير من وعيهم وثقافتهم, وتجر البلد إلى صراعات طائفية أعمق وأخطر مما نراه الآن.
كما أن مثل هذه المحاولات, وإن كانت نوايا مقدميها حسنة, ستمنح السلطة التنفيذية حماية زائدة, ستحجم معها أداتي التشريع والرقابة البرلمانيتين, وستقلص دور النائب وتقيده, وهو خطر على نظامنا البرلماني, ونهجنا السياسي, كما أن الأجواء السياسية والسيكلوجية, غير موائمة لتعديلات على الدستور, وهي ليست أولوية في الإصلاح السياسي.
إن كبح الفوضى والأداء البرلماني المتدني, لا يكون بالهروب إلى أمام, كما أن التعامل مع الفساد الإداري, وضعف الإنتاجية, لا يكون ببيع قطاعات الدولة إلى القطاع الخاص, وإنما بالتوجه الحكومي الجاد, للإصلاح السياسي والإداري, وتطبيق القوانين, ورفع الوعي السياسي, ورفع قيمة العمل للنائب والمواطن والمسؤول, لكي تتجه الكويت في طريق التنمية, كدولة مدنية متطورة, تتوازن فيها المسؤوليات والواجبات.
يقول الخبير الدستوري محمد الفيلي حول موضوع النظامين البرلماني والرئاسي, في جريدة القبس يوم الأربعاء 28 ابريل:"في كل الأحوال الوصول إلى الحل, يفترض وجود حد أدنى للتنظيم السياسي, ولعل السبيل المنطقي لخلق هذا التنظيم, هو وجود أحزاب سياسية على أن تمهد الأرضية القانونية لذلك مسبقاً". انتهى.
وحسناً فعلت جريدة القبس, بفتحها مثل هذا الموضوع الحساس, لكي تشرك المواطنين فيه, وتحرك بحيرة الوعي الراكد, وهو دور وطني يجب على الإعلام أن يلعبه
.

No comments: