Tuesday, May 11, 2010

الأصولية




كانت المناسبة هي عيد زواجنا الثلاثين, وكان المكان هو منطقة أدما في لبنان, أما الضيوف فقد كانو أسراً لبنانية صديقة, مسيحية ومسلمة, ورجل دين مسيحي "كاهن", ومثقف علماني, وفنان موسيقي, وآخر تشكيلي.
بدأت السهرة بمجاملات, وحذر كل طرف من الطرف الآخر, خاصة في ظل الاستقطاب والاحتقان الطائفيين في لبنان, ثم جمعتهم الموسيقى, ليتضح أن الكاهن المسيحي واسمه أبونا بول, والمثقف العلماني, يملكان أصواتاً جميلة, فأطربونا بغنائهم المشترك.
ثم وكما هي عادة اللبنانيين, بدأت السهرة تتجه للنقاش السياسي, ولكن لم يكن الموضوع هو الوضع السياسي, ولم يكن الموضوع الخلافات الطائفية, بل كان حول الأصولية النظرية والدينية, وماذا تعني, وما أسباب وجودها في المجتمعات المختلفة, وفي هذا النقاش اقترب الجميع, على اختلاف انتماءاتهم الدينية والفكرية, كالتالي:
أن الرجوع إلى الأصل يظهر في الأزمات, خاصة ضد الاستعمار, مثل حركة عمر المختار في ليبيا ضد الاستعمار الفاشي الإيطالي, وحركة طالبان في أفغانستان ضد السوفييت, والنزعة للحفاظ على الهوية, هي ضد العولمة والليبرالية المتوحشة, مثل حركة الأخوان المسلمين في مصر, وحتى الحركة القومية التي اشتدت في بدايات القرن الماضي, جاءت كردة فعل ضد الاستعمار, ومن أجل التحرر الوطني.
ومعظم الحركات الأصولية, بدأت ضد أخلاقيات وقيم, ثم تحولت ضد دول وأنظمة, فهي ترى الحل دائماً بالرجوع إلى الأصل, أو السلف الصالح, وهي تلتزم بالنص وترفض التطور, وضد التفكير في روح النص ومقاصده, بل تتمسك بالشكل والمضمون في ثقافتها, في ملبسها وأسلوب حياتها, مثل انتشار اللباس والعمامة الأفغانية, أو مظاهر الوهابية في مصر, رغم أنها تستخدم التكنولوجيا لتأكيد فكرتها.
والحركات الأصولية هي صدامية بالضرورة, تصطدم برغبة المجتمعات في التقدم والتطور, وهي عمياء في تعصبها الفكري والديني, وهي تتفوق في تعصبها على الأصل, فمثلاً في الدولة الإسلامية الأولى, كان للأديان الأخرى والأقليات حقوق, بينما الحركات الأصولية الدينية والقومية الآن, تنكر على الآخر حقوقه, بل وتعاديه, وتضطر أحياناً إلى استذكار التاريخ والنبش بأصل العداء.
كان الأهم في هذا النقاش, هو خروج هذا الطيف من الضيوف, بعدما تبادلوا أرقام الهواتف والعناوين البريدية, وهم أصدقاء, عانقوا بعضهم, وتواعدوا على اللقاء لاحقاً, وشكلوا لوحة الرغبة الإنسانية, في التلاقي والمحبة على اختلاف إنتماءاتهم.

No comments: