Monday, June 21, 2010

ابو جورج



مساء أمس مررت بأسرة لبنانية مسيحية، لأداء واجب العزاء لفقدها رب الأسرة السيد نعمة الله صليبي، الذي قدم وزوجته للعمل في الكويت منذ أكثر من أربعين عاماً، وعاش وأنجب ولديه وابنته، وتعلموا في مدارسها.
في ليلة ساخنة وموحشة من ليالي أغسطس 1990م، سمعت طرقاً خفيفاً على باب شقتي المستأجرة، فلملمت زوجتي أولادنا بحضنها، خوفاً من الطارق المجهول، إذ كنا قد سمعنا أن الجنود العراقيين، كانوا يقتحمون الشقق والبيوت في منطقتنا، وينهبوها ويعتدوا على سكانها، في حملات عشوائية مسعورة.
وكنت وقتها أنام وأسرتي في صالة المعيشة، بل بالكاد كنت أنام، وكان أحد الضباط الأصدقاء قد أعطاني مسدساً للحماية، خاصة بعد اشتداد الخطر في المنطقة التي كنت أسكن فيها، فتحت زر أمان المسدس، ووضعته خلف ظهري، وحاولت النظر من عدسة الباب، فرأيت في الظلام هيئة إمرأة، فتحت الباب بوجل، ونظرت إلى السيدة نظرات استفهام، وهنا قالت: "مساء الخير، أنا جارتكم في الطابق الثالث، ونود لو تقبلوا دعوتنا للعشاء هذه الليلة"، تركت الباب مفتوحاً ونظرت إلى زوجتي الخائفة، ولكنها لم تكن تملك جواباً، فأجبت الجارة:"حسناً، وشكراً للدعوة".
أستقبلنا في شقتهم استقبالاً ودوداً، وأبلغونا أنهم على استعداد لأي خدمة يقدمونها، فالكويت قد قدمت لهم ولأبنائهم الكثير، وهم لا ينسون فضلها، بل كانوا يعتبرون الكويت وطناً آخر لهم، شكرناهم على موقفهم الداعم.
بعدها انتقلنا من المنطقة، ولم نعد إلى شقتنا إلا بعد التحرير مباشرة، وعلمنا أن أسرة أبو جورج، ظلت صامدة حتى قبل حرب التحرير بأيام، ثم عادت بعد التحرير إلى الكويت، واستمر الأب والأم يعملان في الكويت، وبالكاد يغادرانها إلى لبنان، وكبر الولدين، وعملا في الكويت، بعد أن تزوج أحدهم.
في العام الماضي وعلى اثر الأزمة الاقتصادية، تم فصل الأب من عمله، وظل عاطلاً ورافضاً ترك الكويت، ثم قبل بضعة أشهر تم فصل الابن لأنه مسيحي، بعد أن تحولت الشركة التي كان يعمل بها إلى إسلامية، وزادت معاناة الأسرة مع مرض الوالد، وعلاجه المكلف، وقبل بضعة أيام توفي، وسيدفن اليوم في مقبرة سوق الغرب في لبنان.
وأثناء العزاء سألت الأم:"هل ستعودون إلى الكويت بعد الجنازة"؟ فأجابت:"نعم طالما بقي فينا رمق"، فأطرقت برأسي متفكراً في الفرق بين محبة هؤلاء اللبنانيين المسيحيين للكويت، وبين بغض بعض أبنائها لها، ودأبهم على افراغها من بعدها الحضاري.
هناك حكايات تقال فقط، وهي تعطي العبرة دون تفسير.

الحرية لسجين الرأي محمد عبد القادر الجاسم

osbohatw@gmail.com

1 comment:

Deema said...

و هذا شخص آخر

http://deemaland.blogspot.com/2010/05/blog-post_20.html