Sunday, August 22, 2010

وداعاً أحمد السقاف



صافحني واحتفظ قليلاً بكفي ثم قال: "يدك باردة كأيدي الأئمة"، سألته: "لماذا أيدي الأئمة باردة"؟ قال: " من كثرة الوضوء".
لهذا الرجل الجليل محبة خاصة عندي، ليس لها علاقة بشعره الجميل والعميق، وليس لها علاقة بمواقفه القومية الثابتة، أو بدوره التاريخي الأدبي والفكري والتربوي، بل لها علاقة بشخصه المفعم بالإنسانية والمبدئية.
أحمد السقاف كان أحد رواد النهضة الأدبية والثقافية في الكويت، وقدم خدمات جليلة في مجال التربية والتعليم، إذ عمل مدرساً ومديراً لمدرسة المباركية، ثم المدرسة الشرقية في أربعينيات القرن الماضي، ثم عمل وكيلاً لوزارة الإرشاد والأنباء عام 1962، ثم عضواً منتدباً للهيئة العامة للجنوب والخليج العربي.
وفي مجال النهضة الثقافية، كلف بالسفر إلى الدول العربية، للتعاقد مع طاقم لإصدار مجلة ثقافية، فتعاقد مع أحمد زكي، وأصدرا مجلة العربي عام 1958م، إضافة إلى أنه كان من مؤسسي رابطة الأدباء في الكويت عام 1964، وهناك الكثير ليحكى عن هذه الهامة العالية، ولا يتسع لها المجال هنا.
في سنوات التسعينيات، توثقت علاقتي به رغم فارق السن بيننا، واقتربنا من بعضنا بود واحترام كبيرين، ولم يكن الأمر بسبب الهم الأدبي والثقافي المشترك، رغم وجوده، ولكنه كان شيئاً آخر له علاقة بتواصل روحي شفاف، فقد كان كبيراً بأخلاقه وتواضعه، وهو الأمر الذي يميز العظماء، لم يكن مدعياً بل كان مترفعاً نائياً بنفسه عن الإسفاف والتفاهة، كان صديقاً رائعاً لن ينسى، وكنت مقصراً في زيارته في أيامه الأخيرة.
سعد رحمه الله كثيراً، عندما طلبت منه في العام 1997م، أن يقوم بتقديمي على المسرح، قبل إعلان تسلمي جائزة الدولة التشجيعية، وفرحت بمشاركته لي أكثر من الجائزة ذاتها، وفي آخر لقاء بيننا، أخبرته أني أهديت له مجموعتي القصصية التي لم تنشر بعد، فطلب مني أن اقترب كي يقبلني.
ويبدو أن الأسبوع الماضي، كان أسبوع فقد أصدقاء ورجال عظام، فقد توفي قبل أيام الصديق الأديب الجزائري الكبير، الطاهر وطار، الذي جمعتني وإياه صداقة جميلة على مدى سنوات، كما توفي الشاعر والدبلوماسي البارز غازي القصيبي.
في مثل هذه الصداقات ينزاح ويتحيد الهم الأدبي والفكري المشترك، ويتعزز الهم الإنساني، بهالة الحب والاحترام، وتغدو صداقة بلا شروط، رغم الاختلاف.
حزنت كثيراً لفقد هذين الصديقين المميزين، وحزنت أكثر لفقد الحركة الثقافية والأدبية، لقامتين من الصعب تعويضهما في ظل هذا الانحدار الثقافي والحضاري، في الوطن الأصغر والوطن الأكبر.

osbohatw@gmail.com

No comments: